مقالات وتحليلات

هدف من خطأ.. على الرئيس أن يستقيل!

12936763_10209618419881204_3296411084077895709_nفي كل العالم من حولنا، عندما تلعب المنتخبات الوطنية، يناقش الإعلاميون نتائج الفريق سلباً وإيجاباً، بالحديث عن اللاعبين والمدرب وخططه التكتيكية، فيُبرزون نجاحه حين يفوز، ويُظهرون إخفاقه إذا يخسر.. يتحدثون عن مهارات اللاعبين ومواهبهم، وأدوارهم القيادية في الملعب، وأخطائهم وهفواتهم وسلوكهم، وعن استراتيجيات المدرب وطرق عمله وطواقمه، وغير ذلك مما يتعلق فنياً بالمباريات، لكنهم لا يذكرون الاتحادات الوطنية إلا نادراً؛ حين يتعلق الأمر بقرار إداري أو شيء مثله، وأما ما سوى ذلك فإن الحديث كله ينصب على الفريق، لاعبين ومدرباً، وفنيين..

أما في موريتانيا، فحين يلعب المنتخب الوطني، فإن الغالبية من الصحفيين يتحدثون عن رئيس الاتحادية وحسب؛ فإذا فاز المنتخب ركز الموالون على الثناء على رئيس الاتحادية ومعاونيه، وتجاهلوا تماماً أدوار اللاعبين والمدرب، في حين يقنع “المعارضون” منهم بضرورة الصمت والاختفاء في هذه الحالة، انتظاراً للفرصة المواتية للحديث عن الرئيس بسوء، لا عن المنتخب بلاعبيه وطواقمه.

وإذا خسر المنتخب، يخرج “المعارضون” يستغلون فرص الحديث بامتياز؛ ليصبوا جام “غضبهم” على رئيس الاتحادية و”المصفقين” له، فيحملونهم وزر الخسارة؛ فهم من ضيّعوا فرص التهديف للمنتخب، وهم من تسببوا في ولوج الأهداف إلى مرمى المنتخب، وهم من وضعوا الخطط التكتيكية الخاطئة، وهم من أخفقوا في اختيار التشكلة المناسبة للمباراة، وهم من جانبهم الصواب في اختيار التبديلات الناجحة، بل وهم السبب الأساس في ارتفاع درجات الحراراة أثناء المباراة !!!.

باستثناء فئة قليلة من صحافتنا الرياضية ونقادنا وكتابنا الذين سالت أقلامهم حبراً غزيراً خلال الأيام الماضية، فإن الجميع لم يهتمّ بقراءة المباراة التي جمعت المنتخب الوطني ونظيره الكامروني قراءة فنية معمقة، تنويراً للجمهور، وانتقاداً لصناع “القرار” فوق أرضية الميدان من لاعبين ومدرب ومساعدين !.

بل خالف الكثيرون منهم إلى التركيز على رئيس الاتحادية وحده، لتحميله الوزر كاملاً عن الخسارة، ليصل الأمر ببعضهم حدّ مطالبته بالاستقالة، وكأن مصيره ومشروعه كله كان رهناً لنتيجة مباراة واحدة أمام منتخب الكامرون !.

بعضهم اعتبر أن الخسارة “غير مقبولة”، وكأن منتخبنا بات بقوة المنتخب الألماني، حتى تكون خسارته من منتخب الكامرون عاراً أو فضيحة! فأين كان هؤلاء الكتاب حين كنا نخوض التصفيات لنخرج بست هزائم، جيئة وذهاباً، من جميع المنافسين على تواضع بعضهم، مثل ما كان الحال مع آخر مرة شاركنا فيها من دور المجموعات في التصفيات الإفريقية، قبل استلام مكتب الاتحادية الحالي زمام الأمور الكروية في البلد؟.

هل يعتقد المنتقدون بشدة للاتحادية بعد الخسارة أمام الكامرون أن خمس سنوات من العمل، مضى كثير منها في تهيئة أرضية ملائمة لبناء منتخب وطني قادر على المنافسة، تكفي للتغلب على خمسين سنة أو تزيد من تراكم الخبرات والتجارب الكروية المختلفة في الكامرون، فاز خلالها الفريق ببطولة إفريقيا أربع مرات وتأهل لكأس العالم سبع مرات؟!.

إذا كانت مصرُ التي تتسيد القارة السمراء في عدد مرات الفوز بكأس إفريقيا للأمم، قد عجزت خلال ثلاث نسخ متتالية عن الوصول للنهائيات، وهي الدولة التي تملك كرة قاعدية قوية، ومنشآت رياضية عتيقة، وأندية كبيرة وعريقة، ولاعبين يُعدون بالملايين، وقاعدة جماهيرية هي الأكبر في القارة، وتملك فوق ذلك ناديي “الأهلي” و”الزمالك”، وما أدراك ما الأهلي والزمالك؟ فكيف يُعاب على موريتانيا ذات المنتخب الناشئ أن تغيب عن هذه النهائيات، وهي التي اعترف العديد من الفنيين المتخصصين، بأنها لعبت أفضل مبارياتها في التاريخ خلال هذه السنة الحالية (الشواهد موجودة من تدوينات فنيين بارزين).. رغم محدودية الخيارات في كل المجالات، فإذا كنا نحن نأتي بعدد محدد من “المحترفين” في أوروبا، ضرورة، فإن الكامرون تأتي بعدد قليل، اختياراً من بين مئات، أو ربما آلاف، المحترفين في العالم!.

ناهيك عن احتلال موريتانيا حتى الآن المركز الثاني في مجموعتها، متقدمة على جنوب إفريقيا التي استضافت كأس العالم، وفازت بكأس إفريقيا، ومع ذلك تفوقت عليها موريتانيا، لكنّ أحداً في جنوب إفريقيا من الإعلاميين لم يطالب رئيس اتحاد الكرة هناك بالاستقالة، رغم أن جنوب إفريقيا قد خرجت رسمياً (بشكل حسابي) من دائرة المنافسة على التأهل للنهائيات، عكساً للمنتخب الموريتاني الذي ما زال يملك الفرصة حسابياً، وإن كانت ضئيلة جداً، وشبه مستحيلة..

لا أعرف ماذا كان سيقوله هؤلاء المنتقدون لو أنهم عايشوا بأقلامهم السيّالة الحقبة التي سبقت قدوم الرئيس الأخ أحمد ولد يحي إلى الاتحادية؛ حيث لم يكن على الأرض شيء يمكن أن يحيل إلى وجود منتخب لكرة القدم في موريتانيا! فأي قاموس لغوي سينهلون منه لوصف تلك الحقبة، وبأي طريقة سوف يتكلمون عن رئيس الاتحادية حينها؟ أقف عاجزاً عن تخيّل ذلك، لكنني أعرف تأكيداً أننا كنا بحاجة لأقلامهم في تلك الفترة!.

أذكر أنني كنت رفقة بعض الرفاق في موقع “كووورة” نزور مقر الاتحادية؛ الذي لم يكن يتوفر على أدنى شروط العمل، من أجل الحصول على نتائج بعض مباريات البطولة الوطنية التي تقام خارج العاصمة، أو تلك التي أقيمت زوالاً في وقت كان يتعذر على المرء حضور جميع مبارياتها، وكنا نكتب النتائج تلقيناً من عند “انجوغا” الذي يجهله غالبية كتاب اليوم.. في زمن لا يمكن لأي شخص أن يدعي أنه شاهد هدفاً واحداً من البطولة الوطنية على شاشة تلفاز أو شاشة كومبيوتر! .

أما عن وضعية المنتخب آنذاك؛ فحدث عن سوئها ولا حرج؛ فبعد آخر مشاركة مُني فيها المنتخب الهزيل بست هزائم متتالية من كل صغير وكبير في القارة، أعلنت اتحادية ذلك العهد انسحابها من التصفيات الإفريقية لكل من كأس إفريقيا وكأس العالم، وقبلها أعلنت انسحابها من مباراة واحدة بنظام الذهاب والإياب، كانت فرصة للتأهل لأول نسخة من بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، مع كل هذا الوضع المزري، لم يظهر في تلك الفترة من يطالب باستقالة رئيس الاتحادية سوى عدد يسير من أعضاء كووورة ورابطة “المرابطون”.

اليوم، وبعد خمس سنوات فقط من العمل الجاد، هاؤم تشاهدون بطولة منتظمة، مصوّرة أحداثها، مع الاعتراف بالنواقص الكثيرة التي ما زالت موجودة، لكن مع مقارنتها بالماضي القريب، فهي باتت دون مبالغة في ذلك الميزان مثل “البريميير ليج”!!!.

وها انتم تتابعون منتخباً وطنياً جديراً بالاحترام والتقدير، يلعب نداً لكل المنافسين فيفوز ويخسر ويتعادل، لكنه موجود، ويملك كل مقومات المنتخب، حتى باتت تنهال عليه صفات المديح والثناء من عديد المتابعين والمهتمين، وأصبح المحللون في القنوات العالمية يتوقعون له أن يلعب دوراً مهماً في القارة وشبه المنطقة في السنوات القليلة المقبلة، بما يؤكد أنه منتخب يسير حتى الآن في الاتجاه الصحيح، وسيأتي الوقت الذي يحقق فيه آمال وتطلعات الجمهور..

فكيف تتعجلون حصاد عمل يحتاج الكثير من الوقت ليتراكم ويتعزز وينضج حتى يأتي أكله في الوقت المناسب؟

لا أحد منا يدعي أن السيد أحمد ولد يحي هو الوحيد في موريتانيا القادر على تسيير الاتحادية.. ولا أحد منا يدعوه لرئاستها مدى الحياة، لكننا قادرون على ادعاء أنه أول رئيس اتحادية يصل بالمنتخب الوطني إلى هذا المستوى، ليقارع الكامرون وجنوب إفريقيا من أجل التأهل، لا من أجل “الظهور المشرف”، ويكفيه فخراً ونجاحاً أن عدم تحقيق المنتخب للتأهل، بات يُعدّ في عهده إخفاقاً، بعد أن كان مجرد المشاركة في التصفيات ولو بست هزائم متتالية إنجازاً ونجاحاً، فدعوا الرجل يواصل عمله، وركزوا في نقدكم وتنويركم على صنّاع الحدث فوق أرضية الميدان، وأوكلوا أمر محاسبة رئيس الاتحادية إلى الجمعية العمومية التي انتخبته، وهي المخولة وحدها تقييم عمله وإعادة النظر في انتخابه من عدمه، حين تحين الفرصة لذلك..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى